کد مطلب:239443 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:137

اما الجواب
الواقع .. أن نتیجة ذلك كانت وبالا علی العباسیین : « و لا یحیق المكر السی ء الا بأهله .. » . فقد كان الناس مستائین جدا من سیرتهم السیئة و سیرة و لانهم مع الرعیة، و كان من الطبیعی جدا أیضا : أن یثیر الناس و یسوءهم ما كانوا یرونه من تمیعهم الشدید فی حیاتهم الخاصة، و ایثارهم اللذات المحرمة علی كل شی ء، حتی قد یبلغ الأمر بالخلیفة منهم أن یحتجب عن الناس منهمكا بلذاته و شهواته .. و قد كان الرشید یحمد الله علی أن أراحه البرامكة من أعباء الحكم [1] ، و تركوه ینصرف الی ما یندی له جبین الانسان الحر ألما و خجلا، و كذلك كانت حال والده المهدی من قبل، و علی ذلك جری ولده الأمین من بعد .. و غیرهم و غیرهم ممن لا نری ضرورة لتعداد أسمائهم .. و حسبنا تلك الشواهد الكثیرة فی التاریخ، الذی قد لا تمر بصفحة منه، فیها حدیث عن الخلفاء، الا و تجد فیها ما لا یسر، و ما لا یغبط علیه أحد ..

و كان مما ساعد علی ادراك الناس لحقیقة نوایا العباسیین، و واقعهم، الذی طالما جهدوا فی التستر علیه، و اخفائه، بحیث لم یعد ثمة شك فی انهم لیسوا بأفضل من الامویین، ان لم یكونوا اكثر منهم سوءا .. هو ما كانوا یرونه من معاملتهم لبنی عمهم آل أبی طالب، الذین ضحوا بكل شی ء فی سبیل هذا الدین، و أعطوا و بذلوا حتی أرواحهم فی سبیل هذه الامة .. و الذین كانوا هم الأمل الحی لهذه الامة المضطهدة، و المغلوبة علی أمرها، التی كانت تری فیهم كل الفضائل، و الكمالات الانسانیة .. و الذین كان من الواضح لدی كل أحد أن وجود العباسیین فی الحكم مدین لهم، أكثر من غیرهم علی الاطلاق ..



[ صفحه 131]



لقد رأوهم جمیعا منفقین - حتی المأمون كما سیتضح - علی العداء لهم، و وجوب التخلص منهم، لكن الفرق هو أن الخلفاء الذین سبقوا المأمون كانت أسالیبهم تجاههم، تتمیز - عموما - بالعنف و القسوة، بخلافة هو، فانه اتبع أسلوبا جدیدا، و فریدا فی القضاء علیهم، و التخلص منهم ..

و لقد كان هذا الموقف مفاجأة للامة، و صدمة لها، و لذا فمن الطبیعی أن یتسبب فی ردود فعل عنیفة فی ضمیر الامة و وجدانها، و بخیبة أمل قاسیة لها فی العباسیین ..

بل لقد كان ذلك سببا فی زیادة تعاطفها مع آل علی، و مضاعفة احترامها لهم - ولو بدافع انسانی بحت - و من هنا نلاحظ أنهم كثیرا ما یذكرون فی سبب نكبات الوزراء، و العمال، بل و العلماء أیضا - صدقا كان ذلك أو كذبا - أنه أجار علویا، أو أطلقه من السجن، و دله علی طریق النجاة. و قد ذكرت هذه المنقبة للامام أحمد بن حنبل أیضا [2] ، و أما موقف أبی حنیفة، و الشافعی، و غیرهم من العلماء، فهو أشهر من أن یذكر .


[1] الوزراء و الكتاب ص 225.

[2] راجع كتاب، شيخ الامة، الامام أحمد بن حنبل، لعبدالعزيز سيد الأهل.